د. عبد الحافظ الخامري
تساؤل أثاره موقف بعض دارسي علم النفس مع الأسف وليس ممن هم خارجه.
فلربما تلتمس بعض العذر لمن هم خارجه بحجة الجهل "فمن جهل شيئا عاداه" كما يقال، ولكن أن يصدر ذلك من أهل بيت علم النفس نفسه فتلك مصيبة وإن كان من طلبة الدراسات العليا فالمصيبة اعظم.
إن علم النفس كأي علم حديث يدرس الظواهر السلوكية من الإدراك والتفكير والشعور والسلوك٬ بغية فهمها وتفسيرها ومحاولة التنبؤ بها والوصول إلى ضبطها والتحكم بها سواء كان ذلك في حالة السواء أو الاضطراب.
فالمشكلة السلوكية هي التي تحدد مسار البحث والدراسة وما على الباحث إلا أن يتتبعها كما هي ويفهمها ويحاول بعد ذلك السيطرة عليها زيادة ونقصانا وعلاجا.
وإذا كان الحديث عن الاضطرابات النفسية (أكثر الميادين احتياجا لتشخيصها وعلاجها) فالأمر يقتضي أن يقوم الباحث في علم النفس الإكلينيكي بتشخيصها كما هي في الواقع كمشكلة يعاني المضطربون منها ثم وضع العلاج المناسب لها لتخليص من يعاني منها وإعادة التوافق والانسجام له.
وعندما يأتي طالب او طالبة دراسات عليا ليدرس الاضطرابات ومنها اضطرابات الإدمان والجنسية (ضمن الحقل العلمي النظري) ويستنكف أن يقرأ فيها ويفهمها من أساتذته ليساعد أخيه الإنسان الذي يعاني منها باعتباره اختصاصي نفسي وهذا أحد مجالات عمله الإنساني النبيل بحجج واهية بقوله أنه يترفع عن فهمها رغم انها ضمن مادة علمية نظرية٬ فهو بتهربه هذا يذكرنا بالقاعدة النفسية "المبالغة في إظهار شيء تخفي النقيض" فضلا عن انه يتهم دارسيها من اساتذته وزملاءه بأنهم أقل شأنا منه في حين يترفع هو عن ذلك.
إن هذه المواقف والمواقف المشابهة لها كالتحيز في دراسة الظاهرة لدى جنس معين دون الجنس الآخر بذرائع واهية هو نوع من الالتفاف الذي يقود إلى الفشل الدراسي ومحاولة أخذ شهادة بغير استحقاق (هو شهادة زور).
أنت لست مجبورا على أن تدرس هذا الحقل فبإمكانك أن تدرس او تشتغل بأي حقل آخر... لكن طالما وانت اخترت هذا الحقل فلا يسعك إلا أن تمضي في سياقه المحدد له.
وتجدر الإشارة إلى أن كل العلوم والمهن في النهاية تستهدف خدمة الإنسان بطريقة مباشرة او غير مباشرة، وفي المجال النفسي تكون الخدمة لعقل ونفس وروح الإنسان بشكل مباشر في حال تفوقه وتعثره وابداعه وتخلفه وصحوه ومنامه وتعلمه وتفكيره وفي صحته واضطرابه ابتداء من الفهم والتفسير ومرورا بالتنبؤ ووصولا إلى الضبط والتحكم، ليشد أزره ويقوي عزيمته ويستنهض همته ويشحذ قدراته ويطلق امكاناته وليخلصه من آلامه ومعاناته، مزودا إياه بأفضل السبل التي تمكنه من العيش في طمأنينة وسعادة وأمان محققا ذاته في استخلاف مولاه على الأرض.
-----------------------
الحقوق الفكرية والعلمية محفوظة للدكتور عبد الحافظ الخامري حصرا.